ضربة ترامب لإيران- تحولات الصراع الإسرائيلي الإيراني وتداعياته الاستراتيجية

بعد ترقب طويل وضغوط إسرائيلية متزايدة في الأيام القليلة الماضية، اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره الحاسم بشن ضربة جوية على المفاعلات النووية الإيرانية، مستخدماً في ذلك قاذفات "بي-2 سبيريت" الأمريكية المتطورة ذات القدرات الفائقة. كان الهدف المعلن لهذه العملية هو كبح البرنامج النووي الإيراني، الذي لطالما اعتبرته إسرائيل تهديداً وجودياً لأمنها القومي، خصوصًا بعد عجز سلاح الجو الإسرائيلي عن تدمير المنشآت النووية الإيرانية بالكامل، لا سيما مفاعل فوردو المحصن.
وجدت إسرائيل نفسها في مأزق حقيقي، متخوفة من التداعيات المحتملة لطول أمد الصراع مع إيران. إن سقوط الصواريخ الإيرانية في العمق الإسرائيلي، والتكاليف الباهظة لاعتراض هذه الصواريخ، والاستنزاف الاقتصادي الذي تسببه الحرب، كلها عوامل دفعت إسرائيل إلى البحث عن حل سريع وحاسم.
لذلك، لم يكن خافياً الضغط الإسرائيلي المكثف على الرئيس ترامب في الأيام الأخيرة، لحثه على التدخل العسكري وتوجيه ما يشبه "الضربة القاضية" في هذا النزاع المتصاعد.
سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالتعاون مع بعض الشخصيات البارزة في الحزب الجمهوري، إلى تصوير مهمة القضاء على البرنامج النووي الإيراني على أنها ليست بالمهمة المستحيلة، وأن النظام الإيراني أضعف مما يتصوره البعض، وأنه لن يجرؤ على الدخول في حرب شاملة ضد المصالح الأمريكية في المنطقة.
ويبدو أن ترامب يعتقد أيضاً أن ردة الفعل الإيرانية ستكون مماثلة لما حدث بعد اغتيال الولايات المتحدة للقائد العسكري الإيراني البارز قاسم سليماني في فترة ولايته الرئاسية الأولى، حيث ردت إيران باستهداف أهداف أمريكية محددة في المنطقة، دون الانزلاق إلى حرب شاملة ومتهورة ضد الولايات المتحدة.
بالرغم من أن هذا ليس أول تدخل عسكري أمريكي في إيران، إلا أن هذا التدخل يحمل دلالات استراتيجية عميقة، سيكون لها تأثير كبير على منطقة الشرق الأوسط بأسرها.
الصراع الإسلامي الإسرائيلي
للمرة الأولى منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، تدخل دولة إسلامية غير عربية بشكل مباشر في الصراع العربي الإسرائيلي، وتستهدف العمق الإسرائيلي.
لقد تجاوزت إيران مرحلة دعم الجماعات المسلحة المناهضة لإسرائيل، ودخلت الآن بشكل مباشر إلى ساحة المواجهة. أصبحت القضية الفلسطينية بالفعل قضية إسلامية، تراق من أجلها الدماء في طهران وغيرها من المدن الإيرانية.
كان هدف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو هو استغلال الحرب في غزة للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط دون أي منافسة إقليمية. لذلك، حرص منذ بداية الحرب على استهداف حزب الله في لبنان وتقويض قدراته العسكرية بشكل كبير، مستفيدًا أيضاً من إضعاف نظام بشار الأسد في سوريا – حليف إيران الاستراتيجي – لتمهيد الطريق للتخلص من البرنامج النووي الإيراني.
لا شك أن رهان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على فوز الرئيس ترامب في الانتخابات الأمريكية لتحقيق أهداف إسرائيلية استراتيجية قد أتى ثماره، عندما استجاب ترامب لطلبه بضرب المفاعلات النووية الإيرانية.
حرص الرئيس ترامب على الدخول في مفاوضات مباشرة مع إيران، استمرت على مدار خمس جولات تقريباً، لكنها لم تنجح في التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني.
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس ترامب أبدى في البداية استعداداً لقبول فكرة استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم بدرجات منخفضة للاستخدام السلمي، بشروط محددة، ولكنه مال مؤخراً إلى تبني وجهة النظر الإسرائيلية بقيادة نتنياهو، التي تطالب بحرمان إيران بشكل كامل من حق تخصيب اليورانيوم، كضمان وحيد لمنعها من محاولة إنتاج أسلحة نووية.
وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية تتبنى حالياً سياسة تغيير النظام في إيران، فإنه من المستبعد أن تتبنى الولايات المتحدة سياسة مماثلة، كما حدث قبل حربها في العراق عام 2003.
يرغب ترامب بشدة في توجيه رسالة واضحة إلى إيران، مفادها أن ضرباته الجوية ضد مفاعلاتها النووية جاءت كإجراء اضطراري بعد فشل المفاوضات بينهما.
وبناءً على ذلك، سيحاول النظام الإيراني قراءة الواقع بعناية فائقة، لاختيار أسلوب الرد على الضربات الأمريكية، معتمداً على دبلوماسية "الأبواب الخلفية"، التي ربما بدأت الولايات المتحدة بالفعل في ممارستها حالياً؛ لإيصال رسالة واضحة إلى طهران، مفادها أن الولايات المتحدة لا ترغب في تصعيد الصراع العسكري بينهما.
ويتضح ذلك من رسالة الرئيس ترامب الأخيرة بعد إعلانه عن ضرب المفاعلات الإيرانية، حيث أكد على ضرورة البدء في عملية السلام الآن، وهي رسالة تهدف إلى فتح صفحة جديدة مع إيران، بدلاً من أن تكون إعلاناً للحرب عليها – على عكس ما فعله الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش عندما بدأ ضرباته الجوية ضد العراق في مارس 2003.
لا شك أن هذه الهجمات الأمريكية الأخيرة ستزيد من تصميم إيران على المضي قدماً في تطوير برنامجها النووي، وإنتاج الأسلحة النووية، مهما كلفها ذلك من عقبات ومواجهات عسكرية.
ضعف النظام الإسرائيلي
كشفت هذه الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل عن حاجة إسرائيل الماسة إلى الدعم العسكري الأمريكي المباشر ضد الأهداف الإيرانية، وعن وجود ضعف أمني خطير في إسرائيل، مما يجعلها أكثر اعتماداً على الولايات المتحدة من أي وقت مضى، وربما أكثر عرضة للضغوط الأمريكية، خاصةً عندما يقرر الرئيس ترامب إنهاء الحرب الدائرة حالياً في غزة.
ولعل هذه هي الحرب الأولى في تاريخ إسرائيل التي تخوضها الولايات المتحدة معها بشكل مباشر لتحقيق أهداف مشتركة. سيكون لهذا التدخل الأمريكي المباشر لصالح إسرائيل آثار مستقبلية، ربما في تعزيز التقارب الإسلامي العربي في المنطقة، مثل التقارب التركي السوري، أو التقارب التركي المصري.
لقد ارتكبت إسرائيل خطأ استراتيجياً فادحاً بتوسيع نطاق حربها في المنطقة، بدءاً من غزة ولبنان واليمن وسوريا، وصولاً إلى العمق الإيراني.
لقد كشفت الصواريخ الإيرانية عن هشاشة الأمن الإسرائيلي، وأن التفوق التكنولوجي الإسرائيلي ليس كافياً وحده لتحقيق الأمن والسلام لشعبها في إسرائيل. وللمرة الأولى، يجد المواطن الإسرائيلي نفسه – في تاريخ الحروب الإسرائيلية الطويلة في المنطقة – مهدداً في عقر داره في تل أبيب وحيفا، وغيرها من المدن الإسرائيلية.
بوادر تغيّر الرأي العام الأميركي
على الرغم من انشغال الرأي العام الأمريكي عموماً بقضاياه المحلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعزوفه عن الانفعال بالقضايا السياسية الخارجية، فإن بعض الحروب الخارجية – مثل الحروب في فيتنام والعراق – تركت بصمات واضحة في توجهات الرأي العام الأمريكي.
الغريب في الأمر أن الضربات الأمريكية الأخيرة ضد إيران قد تساهم في توحيد طرفين أيديولوجيين متناقضين للمرة الأولى في السنوات الأخيرة نحو هدف مشترك، وهو إنهاء الحروب الأمريكية، نظراً للتكلفة المالية الباهظة، خاصةً بعد حربَي أفغانستان والعراق، وتأثير هاتين الحربين في زيادة الدين العام الأمريكي والعجز في ميزانية الدولة لأكثر من عقدين من الزمان.
وجدت بعض الأصوات اليمينية المتشددة الرافضة للتدخلات العسكرية، لأسباب اقتصادية بحتة، وكذلك التيار الليبرالي اليساري، لدواعٍ إنسانية، أنفسهم متفقين في هدف واحد يرفض أن تخوض الولايات المتحدة حرباً خارجية أخرى مدمرة مثل حربَي العراق أو أفغانستان.
لقد أحدثت الحرب في غزة صدمة كبيرة في أعرق الجامعات الأمريكية، حيث علت الأصوات المطالبة بإنهاء المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني في غزة. وبلا شك، ستثير الضربات الأمريكية ضد إيران انتباه الرأي العام الأمريكي إلى الآثار السياسية والمالية الكبيرة لدعم دولة إسرائيل.
ولعل النقاش الدائر حالياً في بعض وسائل الإعلام الأمريكية المحلية حول دور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط ودعمها لإسرائيل، أمر لم يعتد عليه الرأي العام الأمريكي من قبل، مما يجعل تأثيره المستقبلي جديراً بالاهتمام.
ربما نجح ترامب في الوقت الراهن في امتلاك زمام المبادرة السياسية والعسكرية تجاه إيران، وضرب مفاعلها النووي في فوردو، إلا أن إيران ما زالت تمتلك الكثير من الأوراق السياسية والقدرات العسكرية لإطالة أمد الصراع بينها وبين إسرائيل، وهو الأمر الذي لن تستطيع إسرائيل تحمله على المدى الطويل.